لاشك بان القدرة العربية في مدى التعبير والتغيير والتأثير في مواقف وآراء وأفكار الآخرين قد تضاءلت إلى حد يدعو معه إلى ما يثير في القلب من حزن وتوجس ورثاء فبتنا نقف على تلك الأطلال ، التي خلت من كل شيء إلا من الخراب , نبكي ونولول ونتأسى على إرث أجدادنا
.الأوائل
لقد كان العرب القدماء أهل فصاحة وبلاغة وجرأة مكنتهم من فرض سطوتهم والإمساك بزمام الأمور والمبادرة في زمنهم الغابر ذاك , وقد كان بأيديهم السياط للمعتدي وتحت سيطرتهم قوافل التجارة وطرقها المهمة , وكانوا يمتلكون الحناجر القوية التي تدب في النفس الحماسة والثورة , وحوافر خيولهم التي داسوا بها أراضي الفرنجة والغرب فاتحين ومحررين أكبر دليل على ذلك , كما استطاعوا بفضل علمهم الغزير وقدرة علمائهم إشادة الأساس العلمي الصحيح والمنهج القويم الذي أصبح فيما بعد مرجعا رئيسيا يلتجأ إليه علماء الغرب وتهتدي بهم حضارتهم التي .ورثته عن حضارتنا
فالعرب القدماء كانوا على معرفة ويقين بكيفية الإمساك بزمام الأمور من علم وأدب وتجارة وفكر , فأناروا للغرب والعالم أجمع سبل الرقي والتقدم . على عكس ما حل بنا اليوم من تخبط وضياع وتقليد وتخلف , فأصبحنا نقف اليوم على شفا حفرة من الهلاك , لا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا . وتحولنا من شعوب تغدق على العالم الحضارة والعلم والفكر إلى شعوب مستهلكة ومستهلكة ( بفتح اللام وكسرها ) لا تغني ولا تسمن من جوع.
وما تخبط العرب, اليوم , يمينا وشمالا إلا نتاج التخلف والضياع الذي نعيشه , ونتاج انشغالنا عن التفكير في أساس الأمور التي تمس هويتنا وثقافتنا وحضارتنا إلى غوصنا في صغائر الأمور , فماذا صنعنا في الأحداث التي أثرت في تغيير مجرى تاريخنا وثقافتنا ؟ لم يفلح العرب إلا في التفنن في صياغة جمل الاستنكار والشجب والتنديد والتظاهرات التي لم تسفر عن شيء إلا مشقة الخروج إلى الشارع . فأصبحنا ضعفاء إلى حد لا نستطيع التعبير فيه عما يجول في صدورنا من مشاعر وخواطر .
نسينا أسس الفصاحة والبلاغة والجرأة , وأضعنا السياط الذي كنا به نرد المعتدي وفقدنا السيطرة على قوافل التجارة وطرقها القديمة , وتحولت الحناجر القوية إلى مسدسات كاتمة للصوت , وألبسنا حوافر الخيول أحذية طبية مخافة الإصابة بـ(مسامير اللحم ) , ومن شدة ما أنتجنا من علم أحرقنا علمنا القديم وأهدينا الثمين منه إلى الآخرين .
فتحولت الإمبراطورية العربية القديمة إلى بيت من العنكبوت مزقنا نسيجه بأيدينا ومازلنا نقف على تلك الأطلال عسى أن تعود القافلة الراحلة
!!إلى ديارها يوما ما