| الشعر وتاثره بالمعطيات الجديدة في العصر العباسي (لطلاب العاشر) | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
محمود عجان مشرف
عدد المساهمات : 660 نقاط : 11305 السُّمعَة : 66 تاريخ التسجيل : 10/11/2010 العمر : 29 الموقع : ســـــ الرقة ــــورية
| موضوع: الشعر وتاثره بالمعطيات الجديدة في العصر العباسي (لطلاب العاشر) الأحد 5 ديسمبر 2010 - 3:06 | |
| من المتعذّر على دارس الأدب – ولا سيّما الشعر منه – إغفال العلاقة الوشيجة ، التي تربط بين الأدب ، بوصفه نتاجاً إنسانياً ، وبين ما يحيط بهذا النتاج ، من ظروفٍ مختلفةٍ تؤثّر فيه ، فالأدب في نهاية المطاف ، تصوير للحياة ، وانعكاسٌ لمعطياتها ، وعلى هدي هذا ، فهما متفاعلان ، ويؤثّر كل منهما في الآخر ، وإنّ أيّة دراسةٍ للأدب ، تنأى بنفسها بعيداً عن الظروف المحيطة بمبدع هذا الأدب ، لا تنجو من خلل ، أو نقص يعتريانها ، و على هذا(( فليس من اليسير دراسة الأدب دراسة منهجية واعية ، بمعزلٍ عن الأحوال العامة ، التي يعيشها صاحب الأدب ؛ إذ إن الأدب تعبير عن تأثّر الشخصية بمن حولها )) . (1)
إن الشاعر في حقيقة الأمر – بعيداً عن صفته الشاعرية – هو في نهاية المطاف ، فرد من أفراد المجتمع – وإن كان يمثّل شريحة مثقّفة – فهو يؤثر ، ويتأثر بمحيطه الذي يحيا فيه وبالتالي ، كان طبيعياً أن يتأثر نتاجه بجملة الظروف الجديدة ، التي فرضها واقع الحياة العربية في العصر العباسي ؛ ذلك أن التغيير الشامل ، الذي أصاب مختلف مرافق الحياة العربية في هذا العصر ، قد انعكس على الأدب ، شعره ونثره ، فازدادت نظرة الشعراء إلى الحياة عمقاً ، بفعل ارتقاء الحياة العقلية ، ذلك أن الشعراء اتجهوا ينهلون من المعارف ، ويتزوّدون بها ، ويحيلونها بعد تمحيصها وتحليلها ، شعراً يمتاز بالمعاني الدقيقة ، والتصوير الحسن ، وعمدوا إلى تقريبه من الأذهان ، من خلال تجميله بصور التشبيه ، والاستعارة ، وترتيبه ،وتنسيق أفكاره ،متأثرين بميلهم إلى المنطق ، واستفادتهم من الفلسفة ، وعلم الكلام .
لقد قامت الدولة العباسية ، على أنقاض الدولة الأموية ، واستوعبت – تبعاً لامتدادها الجغرافي – حضارات متعدّدة ، من فارسية ، وهندية ، وإغريقية ، وكان لهذا الامتزاج الحضاري ، انعكاساته الواضحة على الحياة العربية ، بل نستطيع القول ، بأن انقلاباً تاماً ، قد عرفته هذه الحياة ، ذلك أن المجتمع العربي ، قد عرف في ظلّ هذا الواقع ، حرية فكرية وعقدية ، وتعبيرية ، لم يألفها من ذي قبل،فقد عرف المجتمع (( حرية الهدى والضلال ، وحرية التقوى والفجور ، وحرية السمو إلى البحث عن الحقائق ، وحرية التدحرج إلى الانحلال والمجون ، فكان الابتذال والتهتّك في كل مكان ، في الكوفة ، والبصرة ، وبغداد ، كان سائداً في أكواخ الفقراء ، وقصور الأشراف ، وبطانة الخليفة ، بل كان في قصر الخليفة )) . (2) وليس بعيداً عن الحياة الاجتماعية ، فقد عرفت الحياة العقلية هي الأخرى ، تغييراً حاداً فاعتراها نوع من التعقيد المفاجئ ، الذي لم يكن لها سابق عهد به ، فالحياة العربية في عصر بني أمية ، كانت موشاة بطابع من البساطة ، والعفوية في شتى نواحيها ، وما إن بسط العصر (1)- التطور والتجديد في الشعر العباسي ، حسان الحسن ، رسالة دكتوراه ، كلية الآداب ، جامعة تشرين ، ص 95 . (2)- التفاعل بين الحياة والفن و تأثيره في الشعر العباسي ، أحمد دهمان ، مجلة التراث العربي ، اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، العدد /90 / حزيران ، 2003م . العباسي فضل ردائه على الحياة العربية ، حتى استحالت هذه البساطة ، وتلك العفوية ، تعقيداً وتنوعاً لم تعرفه من قبل ؛ ذلك أن الثقافات التي استوعبتها دولة بني العباس ، على تنوعها وغناها ، كانت ذات أثر في رقي الحياة العقلية ، وتشعّب الثقافة ، وبُعد الفكر عن النظرة السّاذجة ، وجنوح الخيال وأساليب التعبير ، إلى لون من المبالغة ، والتعقيد . وقد عرف العصر العباسي ، حركة نقل و ترجمة ، لعلوم الشعوب المغلوبة ، إلى العربية ، مما كان له عظيم الأثر في تنوّع الحياة العربية ، وغناها ، وميلها إلى التعقيد ، ولا سيما في الجانب الفكري ؛ ذلك أن حركة الترجمة ، أتاحت للعنصر العربي ، فرصة الاطلاع على تجارب الأمم الأخرى ، ومعارفها ، وعلى وجه الخصوص ، معارفها الفكرية ، والفلسفية بما امتازت به من شطحات ، في عوالم الماوراء الواقعي ، وما يضمّه من غيبيات ، وجنوح في عوالم الخيال . ولم يقتصر الأمر على الاطلاع ، بل راح البعض يثاقفون فلاسفة هذه الأمم ويناظرونهم ويتتلمذون على أيديهم ، وأعقب ذلك مرحلة ، انتشرت فيها الفرق الكلامية ، ذات الطابع الفلسفي والتي كانت تزاوج بين علوم الدين الإسلامي ، والفلسفة ، في حجاجها الفرق ، والتيارات المذهبية ،والكلامية الأخرى ، وتقف فرقة المعتزلة ، على رأس هذه الفرق ، التي استعانت بعلوم اليونان – ولاسيما المنطق – في حجاجها الفرق الأخرى ، وقد لقي الفكر المعتزلي انتشاراً ورواجاً عظيمين في عصر بني العباس ، نظراً للحرية التي أتاحها خلفاء بني العباس لرعاياهم ، ولا سيما في عهد المأمون ، الذي اعتنق هو نفسه المذهب المعتزلي . (1)
إن الوقوف على مدى التأثير الذي ، الذي أصاب الشعر في العصر العباسي ، يُظهر لنا أن تطوراً ملموساً قد طرأ على القصيدة العربية ،سواء على صعيد الموضوعات الشعرية- حيث استجدّت بعض الموضوعات ، واتّسع بعضها الآخر – أم على صعيد الأدوات الشعرية ، ونعني بها جملة المكونات التي تدخل في تركيب القصيدة ، من لغة وخيال ، وموسيقى وصور وأفكار . وهذا طبيعي ؛ ذلك لأن لكل حقبة تاريخية (( مجموعة من التصورات الجمالية والصنائع الفنية ، والسمات الطرزية ، بدليل أن الغالبية العظمى من فناني كل عصر ، لا تكاد تشذّ على تلك الأساليب الخاصة ، اللهم إلا في حالات نادرة )) . (2) لقد أحسّ الشاعر في العصر العباسي ، بوجود جملة من المحفّزات ، تدفعه لمواكبة التطورات الطارئة ، التي فرضها الواقع الحياتي الجديد في هذا العصر ، وما عرفه هذا الواقع من رقي حضاري ، وشعر برغبة داخلية في التغيير ، وحدّثته نفسه ، بضرورة خلق أنماط جديدة من التعبير ن تغاير ، أو تطوّر أنماطه القديمة ، في محاولة لسدّ الثغرة التي قد تنشأ ، فيما إذا بقي على حالة الجمود والانكماش . (3) (1)- ينظر : الشعر العباسي تطوره وقيمه الفنية ، محمد أبو الأنوار ، دار المعارف ، مصر ، ط2 1987م ، ص 77 . (2)- مشكلة الفن ، زكريا إبراهيم ، ص 123 . (3)- ينظر : النقد الأدبي الحديث ، محمد غنيمي هلال ، ص 159 . ينظر أيضاً :الصورة الفنية في شعر مسلم بن الوليد ، عبد الله التطاوي ، ص 77 . على أن هذا الذي ذكرناه ، لم يكن ظاهرة عامة ، أو شاملة لكل الإبداع الشعري ، ذلك أن عناصر الصنعة الشعرية ، وقيمها الفنية ، تختلف من شاعر لآخر ، تبعاً للأثر الذي تحدثه الحياة الجديدة في الشعراء ، وتبعاً لقدرات الشاعر الإبداعية ، في توظيف تلك المعطيات في شعره . وأوّل تغير يلحظه الدّارس للقصيدة العربية في العصر العباسي ، لغتها التي عرفت تغييراً يكاد يكون جذرياً ، خلخل بناها التقليدية ،وخلّصها من أصفادها البدوية التي كانت تثقلها ، وذلك بفعل الواقع الحضاري الجديد ، بما ينطوي عليه ، من مظاهر رقي فكري ،و اجتماعي ، وثقافي فيجد الدارس لهذا الشعر ، لغة تختلف بدرجة أو بأخرى ، عما ألفناه في العصور السابقة ، ذلك أن مسحة من التكلّف ، قد انتابت لغة الشعر ،بفعل المعارف ، والعلوم التي ثقفها الشعراء ، حتى وصل الأمر إلى درجة ، لم يعد فيها الشعر قريباً من الأفهام ، نتيجة لاستخدام الجدل ، والمنطق على غرار ما هو معروف في أشعار أبي تمام ، فقد سأله أحدهم ذات يوم : لماذا تقول ما لا يُفهم ؟ فأجابه أبو تمام : وأنت لم لا تفهم ما يُقال ؟ . (1) هذه المناظرة – إن صحّت التسمية – تدلّ بما لا يدع مجالاً للشك ، على أن مسحة من الغموض ، والتكلّف ، قد رانت على لغة القصيد العربية ، في العصر العباسي ،بفعل التغييرات الكثيرة التي عرفها هذا العصر ، انطلاقاً من أن لغة الشعر، ترتبط أشدّ الارتباط بالبيئة المكانية بما تشتمل عليه من تغييرات طبيعية ، وتحولات اجتماعية ، فهي غير منعزلة عن تحوّل الزمن وتبدّل ملامح العصر ، وتنوّع إيقاعه ، بعامل الإفادة من مظاهر التحضّر ، والتمدّن ، ومن تعدد المنافذ الثقافية ، والمعرفية . (2) تجدر الإشارة ، إلى أن التكلّف الذي أومأنا إليه ، لا يعني الإيغال في صميم اللغة والوصول بها إلى درجة من التقعير ، مما يتوجب معه ، العودة إلى قواميس اللغة ، بغية فهم معاني الكلمات ، بل هو تكلّف يحتاج معه الشاعر ، إلى البحث الدقيق ، والاستقصاء الدؤوب عن مفردات تتناسب مع موضوع قصيدته ، هذا من ناحية ، وتناسب الذّوق السائد في عصره من ناحية أخرى . لنعاين قول أبي تمام مادحاً : قد قلتُ في غلس الدُّجى لعصابة ٍ طلبتُ أبا حفص ٍ مناخَ الأركبِ الكوكبُ الجشميُّ نُصب عيونكم فاستوضحوا إيضاءَ ذاك الكوكبِ يُعطي عطاءَ المُحسن الخضْل النّدى عفواً و يعتذرُ اعتذارَ المُذنبِ (3)
(1)- ينظر : (2)- ينظر : تكوين الخطاب النفسي في النقد العربي القديم ، حسن البنداري ، مكتبة الأنجلو المصرية ، 1992م ، ص 67 . (3)- ديوان أبي تمام ، حبيب بن أوس الطائي ، مطبعة حجازي ، القاهرة ، 1942 م ، ص 12 ، 13 .
ولنعاين أيضاً قوله مادحاً : طاعناً منحرَ الشمال متيحاً لبلاد العدو موتاً جنوبا في ليال تكادُ تُبقي نجد الشم مس من ريحها البليل شحوبا فضربتَ الشّتاء في اخدعيه ضربة غادرته عوداً ركوبا (1) فهذه الأبيات ، لا تحتاج إلى كبير عناء ، حتى يعاين القارئ ، مدى التكلّف الذي عمد إليه أبو تمام ، في سبيل إسباغ صفة الكرم والجود على ممدوحه . والأمر الذي لا نستطيع إغفاله ، هو أن الشعراء العباسيين ، لم ينبذوا لغة الشعر القديم وراءهم ظهرياً ، إنما عمدوا إلى لغة هذا الشعر ، وحاولوا إيجاد نوع من الملاءمة بينها ، وبين اللغة الجديدة ، التي فرضتها المعطيات الحضارية الجديدة في عصرهم ، واستخدموا كل مهاراتهم في سبيل ذلك ، وبفعلهم هذا ، نتج الأسلوب الجديد ، الذي اصْطُلِحَ على تسميته بالأسلوب المولّد ، أو المحْدَث ، والذي تسنّم زعامته بشار بن برد ، وطوّره مسلم بن الوليد وبلغ به أبو تمام الغاية . وهو أسلوب يمتاز بالكلمة المنتجة الرشيقة ، والمعنى المصيب الدقيق أسلوب يمتاز حيناً بالصفاء ، والنقاء ، والنعومة ، والعذوبة ، وحيناً بالجزالة ، والرصانة ، وهم في ذلك كلّه لا ينسون الشعر القديم ، وألفاظه ، ومعانيه ، ومن ثمّ ، فقد ظلّ الشعر القديم حيّاً في هذا العصر ، بل لعله حيي حينئذٍ ، حياة أكثر خصوبة من حياته القديمة ، فقد عاد ليُبعث بعثاً جديداً ، بعثاً يتمثّل فيه العصر بطاقاته الحضارية ، والعقلية . (2) ومما تنبغي الإشارة إليه ، ونحن نتحدّث عن التطوّر ، الذي عرفته لغة القصيدة العربية في العصر العباسي ، تلك السلسلة من المصطلحات ، التي وجدت مسارب لها في فكر الشاعر ومن ثمّ لغته ، لتخرج من ثمّ في قصائده ، وهي مصطلحات أوجدتها البيئة الفكرية الجديدة والتي تجلّت في بيئات المتكلمين ، من أصحاب الجدل ، والمنطق ، والمناظرة ، ولا سيما المعتزلة ، وما أشاعوه في المجتمع العباسي ، على تنوع طبقاته واختلافها ، من (( أفكار ، وما انعكس في مجال الشعر من الجدل ، الذي ملؤوا به حياة الناس . وربما كان أبرز أثر لهم في لغة الشعر ، ناشئاً عن توجيه اللغة إلى استيعاب المعاني العقلية اللطيفة )) .(3) لنعاين قول أبي تمام مادحاً أحدهم : أقولُ لأصحابي هو القاسم الذي به شرح الجودُ التباس المذاهبِ (4) فثمّة شرح ، وثمة مذاهب ، وثمة التباس . وهي مفردات من معطيات العلوم العقلية ، التي أشاعتها الفرق الكلامية في العصر العباسي . (1)- ديوان أبي تمام ، حبيب بن أوس الطائي ، ص 24 . (2)- ينظر : الشعر العباسي تطوره وقيمه الفنية ، محمد أبو الأنوار ، 96 . (3)- في الشعر العباسي الرؤيا والفن ، عز الدين إسماعيل ،المكتبة الأكاديمية ، القاهرة ، 1994م ، ص 402. (4)- ديوان أبي تمام ، حبيب بن أوس الطائي ، ص 36 .
إن إيثارنا الوقوف، عند التطور الذي عرفته لغة القصيد العربية في العصر العباسي ، يتأتّى من إيماننا بالدّور الفاعل ، الذي تلعبه اللغة ، بوصفها مكوناً رئيساً ، من مكونات الصورة الفنية التي نحن بصدد دراستها ، وعلى هدي ذلك يمكن القول ، إن الصورة الفنية ، قد عرفت هي الأخرى ، نوعاً من التغيير ، بل لنقل إنها استجابت لدوافع التغيير ، وتناسبت طرداً مع التغيير الذي طرأ على فكر مبدعها ، والذي هو نفسه ، قد استجاب لمعطيات واقعه الجديد ، فعكف على إبداع الصور ، التي وجد فيها وسيلة للسيطرة على مظاهر الحياة من حوله ، بتنوعها الهائل وإبقائها في مرمى بصره ، واستطاع أن يتخذ من الصورة ، أداةً تحقق له نوعاً من التوازن النفسي ، والوجداني ، مع محيطه الاجتماعي ، وما يلفّ هذا المحيط من تناقضات ، فرضتها طبيعة الحياة الجديدة ، فالأشكال البلاغية ، أو الصورية (( ترتبط بالانفعال ، وتصدر عنه والانفعال متغيّر ، ومتبدّل من عصر إلى عصر ، فلكل تيار ، كما لكل فترة حساسيات خاصة وقيم شعورية خاصة ، ولا بدّ أن تخضع ضروب الأشكال الصورية ، لهذا التغيّر ، أو التبدّل الذي هو سنّة الحياة ، والكون )) . (1) ولا يخفى أن الشاعر العباسي ، بما ثقفه من علوم بلاغية وأدبية ، حاول أن يثبت تفوقه على الشاعر القديم ، في معانيه ، وصوره ، وكثيراً ما كان الشعراء ، يوازنون بين معانيهم ومعاني القدماء ، وفي عبارة بشار ابن برد الآتية (2)، خير دلالة على ذلك ، إذ يقول : ما زلت أروّي بيت امرئ القيس : كان قلوب الطير رطباً ويابساً لدى وكْرها العنّاب والحشفُ البالي(3) إذ شبّه شيئين ، بشيئين ، حتى صنعت : كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليل ٌ تهاوت كواكبهُ (4) وهذا أمر طبيعي ، فحين تتسع آفاق الشاعر ، وتسمو مداركه ، وتصقلها المعرفة ، ويهذبها العلم فإن نفسه ستبتعد أكثر فأكثر في عالم الإبداع ، وسيحاول دائماً أن تواكب صوره ،و معانيه ، ما تشهده الحياة من حوله من رقي ، وتطور . ولن تنال الصورة حظّها من التطوّر ،ما لم يكن هذا التطور شاملاً لكل عناصرها المكونة لها ، ولا سيما الخيال ، الذي عرف قسطاً وافراً من الغنى والاتساع ؛ نظراً لتشعّب مجالات الفكر وتنوعها ، ومن هنا اتسم الخيال بالثراء ، والخصوبة وأصبح يمور بالحياة والحركة ،وإذا ما التمسنا الدليل على هذا ، فيكفي أن نطالع القصائد الجمّة التي آثر مبدعوها من الشعراء ، العدول إلى التجسيم ، والتشخيص ، في رسم صورهم، فألبسوا الجمادات ثوب المخلوقات الحية ، ونقلوا غير العاقل ، إلى مصاف العقلاء ., فابن الرومي مثلاً جرّد من الدهر إنسانا ، ً يتوجه إليه باللوم والتقريع ، ويكيل له الذّمّ ؛ لأنه أضرّ بممدوحه يقول : (1)- مقدمة لدراسة الصورة الفنية ، نعيم اليافي ، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي ، دمشق ، 1982 م ، ص 66 . (2)- ينظر : (3)- ديوان امرؤ القيس ، (4)- ديوان بشار بن برد ، تجنّى عليك الدّهر ذنباً فلم يجد لك الدّهرُ ذنباً غير أنّك ماجدُ سيعلم إن لم ينجز عنك أنه كطارفِ عيني نفسهِ وهو عامدُ ولو كان يدري أن خُلدك زينةٌ له و جمالٌ ودّ أنّك خالدُ(1) وتبعاً لهذا الثراء الخيالي ، غدت الصورة متسمة (( بالتلوين والتعقيد ، وخرج التشبيه عن بساطته المعهودة ، وعن أطرافه الواضحة المحدّدة ، واكتسب الشعر العباسي من ذلك ، جدة وطرافة )) . (2) . لنعاين قول مسلم بن الوليد : أعشب خدي من البكا وقد أورق غصن الهوى على كبدي(3) إنها صورة واضحة الدلالة ، على عمق الخيال ، وثرائه ، فما هذا البكاء الذي يُنبت العشب على الخدود ؟ بل أيُّ كبد ٍ هذه التي تنبت الأغصان ؟ إلا أن هذه الجِدّة ، وتلك الطرافة ، لم تكن بالقدر الذي يغني الشاعر في العصر العباسي عن العودة إلى صور أسلافه ، فعاد إليها ، ودرسها ، وتمعّنها ، وحاول أن يجاريها ، بل و أن يتفوق عليها ، مستفيداً في ذلك من جملة الظروف الجديدة ، التي خلقها له العصر ، وعلى هذا الأساس ، راح الشاعر العباسي يجدد في صوره . وقد شهدت الصورة أيضاً ، تطوراً ملحوظاً على يد أصحاب المذهب البديعي ، هذا التيار الذي أوجدته حالة التجديد الواسعة ، التي شملت كل نواحي الحياة العباسية ، وهو تيار شعري تجديدي ، بلغ أوجه على يد الشاعر أبي تمام ، الذي خرج على نمط الصورة التقليدية ،ونمطيتها وخلق جماليات جديدة ، أوحتها له المضامين الشعرية المستجدة في عصره . ولمذهب البديع هذا قدرته على استيعاب الفلسفة ، ومعظم جوانب الثقافة الأخرى في العصر العباسي ، وبراعته تكمن في المواءمة بين العناصر الفنية ، والعناصر الفكرية في القصيدة ، فالأدوات البديعية من جناس ، وطباق ، ومشاكلة ...تمتزج بالفكرة الفلسفية ، وتخدمها ، والاستعارة تأخذ أطرافاً من المنطق ، والقواعد الفلسفية تؤثر على الصورة الفنية عامة ، وعلى لغة القصيدة ، وتجعل اللون العقلي ، أقوى من اللون العاطفي ، وهذا الضرب من الصناعة الفنية ، لم يألفه الشعر العربي من ذي قبل . (4) من خلال ما تقدّم ، نجد أن الصورة الفنية ، في القصيدة العربية في العصر العباسي ،قد شهدت تطوراً ملحوظاً ، أملته طبيعة الحياة الاجتماعية ، والفكرية ، والعقلية ، وكانت الصورة – كاللغة – متأرجحة بين نوازع ومؤثرات شتّى ، بعضها يمتّ بصلة ، إلى التراث الشعري في العصر الأموي ، وما سبقه من عصور ، وبعضها الآخر جديد ، أملته الحياة العباسية فكانت الروح الشاعرة ، بحاجة إلى من يصوّر حياتها الجديدة المترفة ، وإلى من يصفها ، ومن (1)- ديوان ابن الرومي ، (2)- مواكب الأدب العربي عبر العصور ، عمر الدقاق ، دار طلاس للدراسات والنشر ، ط1 1988 م ، ص 112 . (3)- ديوان مسلم بن الوليد ، مسلم بن الوليد ، مطبعة والدة عباس الأول ، القاهرة ، ط1 1907 م ، ص 40 . (4)- يُنظر : الصورة الفنية في الشعر العربي الحديث ، هيفاء عربية ، ص 38 . هنا أتى بحث الشاعر عن أداة تصويرية ، تتناسب مع مهاراته الفنية المكتسبة ، وتساعده على القيام بهذا العبء الحضاري الجديد . (1 _________________ [right]محمود عجان الحديد ثانوية الرشيد الصف الأول الثانوي mahmoodak33_33@hotmail.com mahmoodak33@yahoo.com [/right] | |
|
| |
أحمد الحسين مشرف
عدد المساهمات : 210 نقاط : 10640 السُّمعَة : 73 تاريخ التسجيل : 18/11/2010 العمر : 28
| موضوع: رد: الشعر وتاثره بالمعطيات الجديدة في العصر العباسي (لطلاب العاشر) الأحد 5 ديسمبر 2010 - 19:54 | |
| الله يعطيك العافية
فعلا انت عضو تستاءل الشكر مشكوووووووووووووووووور | |
|
| |
محمود عجان مشرف
عدد المساهمات : 660 نقاط : 11305 السُّمعَة : 66 تاريخ التسجيل : 10/11/2010 العمر : 29 الموقع : ســـــ الرقة ــــورية
| موضوع: رد: الشعر وتاثره بالمعطيات الجديدة في العصر العباسي (لطلاب العاشر) الأحد 5 ديسمبر 2010 - 20:47 | |
| _________________ [right]محمود عجان الحديد ثانوية الرشيد الصف الأول الثانوي mahmoodak33_33@hotmail.com mahmoodak33@yahoo.com [/right] | |
|
| |
ياسين الملا نائب المدير العام
عدد المساهمات : 891 نقاط : 11756 السُّمعَة : 139 تاريخ التسجيل : 08/11/2010 العمر : 29 الموقع : ســــــــــالرقةــــــــــــورية
| موضوع: رد: الشعر وتاثره بالمعطيات الجديدة في العصر العباسي (لطلاب العاشر) الإثنين 6 ديسمبر 2010 - 3:41 | |
| | |
|
| |
هند رستم عضو جديد
عدد المساهمات : 2 نقاط : 10212 السُّمعَة : 10 تاريخ التسجيل : 03/12/2010 العمر : 30
| |
| |
شحادة بشير المدير العام للمنتدى
عدد المساهمات : 359 نقاط : 11050 السُّمعَة : 57 تاريخ التسجيل : 31/10/2010 العمر : 44 الموقع : سوريــ الرقة ــا
| |
| |
سامي جاويش مشرف
عدد المساهمات : 147 نقاط : 10568 السُّمعَة : 56 تاريخ التسجيل : 03/12/2010 العمر : 30 الموقع : سوريا - الرقة
| موضوع: رد: الشعر وتاثره بالمعطيات الجديدة في العصر العباسي (لطلاب العاشر) السبت 11 ديسمبر 2010 - 3:54 | |
| مشكور _________________ سامي جاويشثاني ثانويثانوية الرشيدSami.rash1995@hotmail.comSami.rash@yahoo.comبسم الله الرحمن الرحيم((ألم يئن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ))صدق الله العظيم | |
|
| |
محمود عجان مشرف
عدد المساهمات : 660 نقاط : 11305 السُّمعَة : 66 تاريخ التسجيل : 10/11/2010 العمر : 29 الموقع : ســـــ الرقة ــــورية
| موضوع: رد: الشعر وتاثره بالمعطيات الجديدة في العصر العباسي (لطلاب العاشر) الخميس 16 ديسمبر 2010 - 0:17 | |
| الله يحفظك و يسدد خطاك أخ سامي _________________ [right]محمود عجان الحديد ثانوية الرشيد الصف الأول الثانوي mahmoodak33_33@hotmail.com mahmoodak33@yahoo.com [/right] | |
|
| |
| الشعر وتاثره بالمعطيات الجديدة في العصر العباسي (لطلاب العاشر) | |
|