السومريون هم أقدم الأقوام التي سكنت بلاد الرافدين. ولا يُعرف حتى اليوم فيما إذا كانوا من سكان بلاد الرافدين الأصليين، أم من الوافدين إليها كالساميين الذين أتوا بعدهم وأزاحوهم من سدة الحكم. ولم يُعثر حتى اليوم على لغة قريبة من اللغة السومرية، أو على قوم يمتون إلى السومريين بصلة مهما كانت.
أسس السومريون في جنوب العراق أول حضارة في التاريخ. وكانوا، بعكس الساميين، قوماً مستقراً فبنوا حضارة في جنوب العراق قوامها الزراعة والتجارة مع جيرانهم من الشعوب الأخرى. فقد طور السومريون أول نظام حسابي في التاريخ هو النظام السداسي وقوامه العدد 6 وهو النظام الحسابي الذي لا نزال نستخدمه حتى يومنا هذا في حساب السنة والساعة (تقسيم السنة إلى اثني عشر شهراً، واليوم إلى أربع وعشرين ساعة الخ(.
ولكن الإنجاز الأهم في تاريخ الحضارة السومرية هو بلا شك اختراعهم أقدم كتابة في تاريخ البشرية وهي الكتابة المسمارية التي طوروها حوالي سنة 3200 قبل الميلاد. ويشكل اختراع الكتابة وإدخالها في الاستعمال العام أهم حدث في التاريخ الفكري للبشر، فهو الحد الذي يفصل بين مرحلة ما قبل التاريخ، والمراحل التاريخية اللاحقة. سميت الكتابة السومرية بالكتابة المسمارية لأن شكلها يشبه المسامير. والسبب في ذلك عائد إلى طبيعة المواد التي استعملوها في الكتابة: ألواح من طين تغمس الكتابة فيها غمساً بواسطة قلم من قصب فيشكل الغمس في الرقيم الطيني مثلثاً يشبه رأس المسمار. ثم تخط خطوط عمودية وأخرى أفقية فيحصل على شكل مشابه للمسار. بعد ذلك كانت الألواح الطينية الرطبة توضع في تنور وتطبخ بالنار وتصلب تمهيداً للاحتفاظ بها.
كانت الكتابة المسمارية في طورها الأول كتابة صورية كالهيروغليفية، ولكن السومريين سرعان ما طوروها لتصبح كتابة مقطعية وبهذا تم اختزال الرموز المستعملة فيها إلى أصوات المقاطع في اللغة السومرية البالغة حوالي 598 مقطعاً صوتياً.
حفظت لنا الأيام من أدب السومريين طائفة لا بأس بها من الأشعار والملاحم والأساطير ولكن معظمها غير كامل. ومن النصوص السومرية النادرة التي وصلتنا كاملة أسطورة إنليل ونينليل.
تحكي هذه الأسطورة ـ باختصار شديد ـ قصة اتحاد الإله إنليل بالإلهة نينليل ونشوء العالم والحضارة عن ذلك الاتحاد.
وقد سبق لي أن ترجمت هذه الأسطورة المتكونة من 154 بيتاً أيام الدراسة، بالإضافة إلى نصوص أكادية وبابلية كثيرة منها ملحمة التكوين البابلي (الإنّوما إلِّيش) وقانون حمو رابي وملحمة جلجامش وأخذت كش وغيرها من النصوص الرافدينية الخالدة، ولا زلت أبحث عن طريقة مناسبة تسمح لي بإعادة طباعة هذه النصوص مع ترجماتها (وكلها بخط اليد)، ونشرها في هذه البوابة.
في الأثناء أورد مقدمة الأسطورة السومرية المتكونة من اثني عشر بيتاً وهي بمثابة الإطار العام للملحمة.