الشعـــــــــــ الأخضــــــــــر ـــــــــــــــــاع
هل سبق وقمت بمراقبة الشمس وهي تغيب وراء أفق البحر؟
وهل تتبعت قرص الشمس حتى اللحظة التي تصبح فيها حافة القرص العليا ، ملامسة لخط الأفق ، ثم يختفي نهائيا؟
كل هذا ممكن فيما أعتقد ... لكن هل أمكنك أن تلاحظ تلك الظاهرة التي تحدث عندما ترسل الشمس آخر شعاع لها ، خاصة إذا كانت السماء صافية وخالية من الغيوم تماما؟
إن واتتك الظروف المناسبة فسترى بدلا من الشعاع الأحمر المعهود ... شعاعا بلون أخضر بديع ، لا يمكن لرسام أن يأتي بمثله ، وليس له مثيل في كافة أنواع النباتات الموجودة في هذه الطبيعة.
لكن كيف ولماذا يظهر الشعاع الأخضر ؟؟
سنفهم ذلك إذا تذكرنا كيف تظهر لنا الأجسام أمام أعيننا ، إذا نظرنا إليها من خلال موشور زجاجي.
يمكن أن تجرب ذلك ‘ن لم تتذكر .
ضع موشورا أمام عينيك بحيث يكون اتجاه جانبه العريض إلى الأسفل ، وننظر من خلاله إلى قطعة من الورق ، ملصقة على جدار.
سنلاحظ ما يلي :
ــ قطعت الورق قد ارتفعت كثيرا عن مستواها الحقيقي .
ــ ظهور حاشية بنفسجية ـ زرقاء أعلى الورقة ، وحاشية صفراء ـ حمراء في أسفلها .
إن الارتفاع المذكور يعتمد على انكسار الضوء ، أما الحواشي الملونة ، فتعتمد على تشتيت الزجاج للضوء . إن الأشعة البنفسجية الزرقاء تنكسر أكثر من غيرها ؛ ولذلك نشاهدها في أعلى الورقة " الحاشية العلوية" ، أما الأشعة الحمراء ، فهي اضعف انكسارا من البقية ؛ ولذلك نراها في الحاشية السفلى للورقة .
عن الموشور يحلل الضوء الأبيض المنبعث من الورقة ، إلى كافة ألوان الطيف ، ويعطي عدة صور ملونة لقطعة الورق .
وعند تراكب ألوان الطيف ترى العين اللون الأبيض ، ولكن تظهر في الأعلى والأسفل ، حاشيتان من الألوان غير المختلطة .
والآن ندخل في شرح الظاهرة التي وضعنا هذا الموضوع من أجلها ....
إن جو الأرض يبدو أمام أعيننا وكأنه موشور هوائي هائل ، تتجه قاعدته إلى الأسفل. وعندما ننظر إلى الشمس عند الأفق ، فإننا نراها من خلال ذلك الموشور الهوائي .
وتظهر الحافة العليا لقرص الشمس ملونة باللونين الأزرق والأخضر ، والحافة السفلى ملونة باللونين الأحمر والأصفر .
في لحظات الغروب والشروق ، وعندما يكون قرص الشمس مختفيا تقريبا وراء الأفق ، يمكننا رؤية الحاشية الزرقاء للحافة العليا ، وتكون ذات لونين : في الأعلى يوجد شريط أزرق ، وفي الأسفل شريط سماوي اللون ، ناتج من امتزاج الأشعة الزرقاء والخضراء.
وعندما يكون الهواء القريب من الأفق نقيا خالصا وشفافا ؛ تظهر الحاشية الزرقاء " الشعاع الأزرق " . ولكن غالبا ما يتشتت الشعاع الأزرق في الجو وتبقى الحاشية الخضراء وحدها ، أي تحدث ظاهرة الشعاع الأخضر التي نتحدث عنها .
ولكن وفي اغلب الحالات ، يتشتت كذلك في طبقات الجو المكدرة ، وفي هذه الحالة لا تظهر أي حاشية ، إذ تظهر الشمس بألوان أرجوانية متمازجة فحسب.
فلكي نرى " الشعاع الأخضر" يجب مراقبة الشمس عند غروبها أو شروقها ، حينما تكون السماء صافية جدا . وفي البلاد الجنوبية نسبة مشاهدة هذه الظاهرة أكبر من البلاد الشمالية ؛ لأن السماء هناك تكون أكثر صفاء.
وقد قام عالمان فلكيان في مقاطعة الالزاس في ألمانيا بوصف هذه الظاهرة ، على الشكل التالي:
" خلال الدقيقة الأخيرة التي تسبق غروب الشمس ، عندما يكون قسم كبير من قرصها مازال واضحا , وله حدود موجية الحركة ، حادة الملامح ، يكون في ذلك الوقت محاطا بحاشية خضراء لا يمكن رؤيتها مادامت الشمس لم تغب نهائيا بعد .
ويمكن رؤيتها عندما تختفي الشمس كليا وراء الأفق. فإذا نظرنا بمنظار يكبر الأشياء إلى درجة كبيرة ( بحوالي 100 مرة ) ، لتمكنا من مراقبة جميع الظواهر بالتفصيل :
إن آخر وقت تظهر فيه الحاشية الخضراء يكون قبل غروب الشمس بعشرة دقائق ، وتحيط بالقسم العلوي من القرص ، في الوقت الذي تظهر فيه حاشية حمراء في الأسفل .
يكون عرض الحاشية في أول الأمر صغيرا جدا (عدة ثوان قوسية) ، ويزداد كلما توغلت الشمس وراء الأفق ، حتى يصل في بعض الأحيان إلى نصف دقيقة قوسية .
وأحيانا تنفصل هذه الحاشية عن الشمس وتتألق لعدة ثوان بصورة مستقلة إلى أن تنطفئ.
وعادة ، تستغرق هذه الظاهرة ثانية أو ثانيتين من الوقت . ولكن في بعض الحالات الاستثنائية ، تستغرق أكثر من ذلك وهناك حالة دام فيها هذا الشعاع الأخضر البديع أكثر من خمس دقائق !!
وأحسن الحالات لمراقبة هذا الشعاع تتوفر عند شروق الشمس ، حينما تبدأ حافة الشمس العليا بالظهور من تحت الأفق وفي الأجواء الأشد نقاوة .
وأخيرا ليست الشمس وحدها التي ترسل الشعاع الأخضر ؛ فقد لوحظت هذه الظاهرة عند انبعاثها من كوكب الزهرة ، وهو يميل إلى المغيب .